عمل الرهبان
قال القديس دوروثيئوس :
" إن الأوجاع هى غير الخطايا ، فالخطايا هى عمل الأوجاع بالفعل والأوجاع هى أسباب الخطايا ، فقد يوجد إنسان فيه الأوجاع كالغضب الضار ، وشهوة الشر ، ولا يستعملها.
والقديسون ما اكتفوا بأن لا يفعلوا الشرور ، فقط ، بل واجتهدوا فى أن يقلعوا من نفوسهم الأوجاع التى هى اصولها ، ولما صعب عليهم ذلك وهم بين العلمانيين ، تغربوا فى البرية ، ولزموا الصوم والصلاة والسهر ، فقاموا بما قرر عليهم من الوصايا ، من عفة ، ومسكنة ، ونافلة ، وغربة ، لتكميل وصايا الرب.. وزيادة العفة ، وهى عدم الجماع البتة ، والمسكنة، وهى عدم الفتنة بالكمال ، والنافلة ، وهى ما زاد على الفريضة ، وهى الرهبنة ، وفرزوا للرهبنة شكلاً فيه رموز على غرضها ، اما القولية التى ليس لها كم ، فإذا أردنا أن نعلم بأيدينا شراً ، كالسرقة ، أو الضرب ، أو غيره ، فاها تقصر ايدينا كتقصير كمنا ، واما الاشتداد بالمنطقة ، فللتشمر والاجتهاد فى خدمة الله ، وكونها من جلد ميت ، لنميت أوجاعنا ، وأما الابلايون بشبه الصليب ، فإشارة إلى حمل الصليب واتباع سيدنا : وأما القوفلية ، فهو يشبه الخنف ، وهو لباس الأطفال ، والأطفال لا مكر عندهم ، ولا حقد ولا نجس ولا اقامة هوى ، وذلك هو اكبر أغراض الرهبنة".
انسحاق التوبة :
كان شاب اسمه مقاره ، اتفق له وهو يرعى ، ويلعب مع صديق له ، فقتله بغير تعمد ، ولم يعلم به احد ، فمضى لوقته إلى البرية وترهب ، وأقام ثلاث سنين فى البرد والحر ، فى ارض ليس فيها ماء ، وبعد ذلك بنى كنيسة داخل البرية ، وأقام فيها خمساً وعشرين سنة ، واستحق نعمة من الله ، حتى انه قوى على الشياطين ، وفرح فى نسك الرهبنة وأقمت بالقرب منه زماناً ، ولا صار لى عليه دالة ، فتشته عن كفرة بسبب خطية القتل ، فقال : أقمت أياما كثيرة متعباً، لأجل هذا الفكر ، وهو يلازمنى ليلاً ونهاراً ، ويقلقنى جداً ، وآخر الأمر اراحنى الرب من حزن القلب بسببه ، حتى لقد شكرت القتل الذى فعلته بغير اختيارى ، لكونه كان سبباً لخلاصى وبنعمة الرب صرت ، إذا تعرضت إلى الشياطين ، بفكر تعظيم القلب ، ويقولون لى : " قد صرت رجلاً عظيماً أكثر من الرهبان كلهم ". فأجيبهم قائلاً : " والقتل الذى فعلته ، ما اشد عذابى فى الجحيم بسببه " . فيمضوا عنى ، ومرة أخرى يقولون لى : " أيها القاتل ، لماذا تقعد فى هذه البرية ، وليست لك توبة ، فتتعب فى الباطل ن امض إلى العالم ، واصنع ارادتك ، لئلا يفوتك الامران!" فأقول لهم : " الرب الذى صنع الرحمة مع عبده موسى ، يرحمنى أنا أيضا " وكنت اعزى نفسى وحدى بأن موسى لم يستحق ان يرى الله ، الا بعد ان هرب من مصر ، ودخل البرية لأجل الذى قتله باختياره.
وما قلته هذا ليطيب قلب احد بالقتل ، بل ليعرفوا ان اسباباً كثيرة مختلفة تجتذب الناس إلى الفردوس ، فواحد يهرب لأجل الفقر والاستدانة ، وآخر يهرب من جور المستلطين ، وآخر بسب زنى زوجته ، وآخر من شر سادته ، وبالجملة فان قوماً يهربون من الخوف الدنياوى ، وقوم يحبون الله ، ويؤثرون خلاصهم فيصيروا رهبانا بإراداتهم ".
كيف يقتنى الراهب الفضيلة
سئل شيخ : " كيف يقتنى الراهب الفضيلة ؟ "
فأجاب : ان شاء احد ان يقتنى فضيلة ما ، فانه إن لم يمقت اولاً الرذيلة التى تضادها فلن يستطيع احد ان يقتنيها. فان شئت ان يحصل لك النوح فامقت الضك. وان اثرت ان تقتنى التواضع ابغض الكبرياء. وان احببت ان تضبط هواك فامقت السر والتحريف فى الاشياء. وان شئت ان تكون عفيفاً فامقت الفسق. وان شئت ان تكون زاهداً فى المقتنيات ان يكون له سكوت ، فليمقت الدالة. ومن أراد ان يكون غريباً من عاداته فليبغض التخليط. ومن يريد ان يضبط غضبه فليبغض مشيئاته. ومن يريد ان يضبط بطنه فليبغض اللذات والاقامة مع أهل العالم. ومن أراد عدم الحقد فليبغض المثالب. ومن لا يقدر ان يكابد الهموم فليسكن وحده منفرداً. ومن يريد ان يضبط لسانه فليسد اذنيه لئلا يسمع كثيراً. ومن يريد ان يحصل على خوف الله ، فليمقت راحة الجسد ويحب الضيقة والحزن. فعلى هذه الصفة يمكنك ان تعبد الله باخلاص".