كثيرمن الأمور تُحلّ بحسن العلاقات أكثر مما تُحل بالقانون أو بالقضاء. بل أن القانون لا يتدخل الا اذا ساءت العلاقات ولم يستطع الناس فيما بينهم أن يحلّوا مشاكلهم... وهنا يعجبنا المثل القائل "اذا اصطلح الخصمان استراح القاضى". فكم بالأكثر إن لم تكن هناك خصومة على الإطلاق...
فما هى اذن هذه العلاقات؟ وما أنواعها؟
الناس فى علاقاتهم على ثلاثة أنواع: إما انسان يصنع صداقاتٍ وسلاماً . وإما انسان مشاكس يصنع عداوات ومشاكل .
وإما انسان لا علاقات له, لا عداوات ولا صداقات! هو انسان منعزل, أو بالتعبيرالعامى "فى حاله" أو محايد
***
ولكنك يا أخى تعيش فى مجتمع, ولست فى عزلة من الناس. وبالضرورة لابد أن تكون لك علاقات
لك علاقات فى محيط اسرتك, وفى محيط جيرانك, وفى مجال عملك مع الزملاء أو الإدارة. بل وفى أماكن العبادة أيضاً, كما فى نطاق التسلية و الترفيه كذلك. فما هو دورك فى هذا كله؟
ما هو موقفك من مبادئ التعاون, وحسن الجوار, ولوازم المجاملة, والمشاركة الأجتماعية و العاطفية, ومواقف التهنئة أو التعزية؟
***
هل تتجاهل مشاعر الناس؟ أم الواجب أن تشاركهم فى مشاعرهم؟
هل يحدث كل ما يحدث, وكأنك أنت لست هنا, لا تحس ولا تدرى!!
هل تقول إننى لم أعرف الأخبار حتى أشارك؟! أو لا يعنى هذا عدم اهتمامك! لأن الاهتمام بالغير يعنى السؤال عن أخباره والأطمئنان عليه... أما عدم الاهتمام فيدل على نقص المحبة أو انعدامها...
وأنت – إن تجاهلت الناس – فتجاهلوك بالمثل... ماذا يكون شعورك وقتذاك؟ ألا تستاء، بل تحزن، وتشعر بإهمال الناس لك؟ إذن ما تريد أن يفعله الناس معك، افعله أنت أيضاً معهم
***
إن الإحساس بالناس، ومجاملتهم، أمران هامان فى الحياة الإجتماعية..
نحسّ بألام الناس ونشاركهم مشاعرهم، ونشعرهم بحبنا لهم، وعدم التخلى عنهم فى ضيقتهم. وهكذا يكون مما يؤثر النفس بزيارة شخص فى مرضه، والتخفيف عنه بكل دعاء أو كلمة رجاء، أو تقديم باقة من الورد له، أو الاطمئنان عليه من أطبائه. هذا يترك أثراً كبيراً فى نفسه، والعكس أيضاً صحيح. فالذى لم تزره فى مرضه ولم تطمئن عليه ولو بمكالمة تليفونية، لابد سيشعر بتقصيرك فى حقه ويؤلمه ذلك منك
نفس الوضع فى تعزية الحزانى. سواء كان ذلك فى وفاة أحد المحبين، أو فى ورطة وقع فيها، أو فى تحقيق رسمى معه، أو فى أية مشكلة حلّت به. كل ذلك يشعره أنه محاط بقلوب تحبه وتخلص له، وترجو له الخير...
وتكون هذه المشاركة الوجدانية مع الكبير ومع الصغير: مع زميلك أو رئيسك فى العمل، ومع القريب والغريب. بل مع خادمك أيضاً وتلميذك وابنك، ومع جارك أو صديق. فيشعر الكل أنك محب ومخلص، ولك قلب شفاف، ومشاعر طيبة
***
لاننسى أيضاً مشاركة الناس فى احتياجتهم المادية
ولو فى السّر، وبطريقة غير ملحوظة وغير جارحة. هناك محتاجون ويطلبون فى صراحة أن تساعدهم وتسندهم فى احتياجاتهم. وعليك أن تساعدهم بنفسك أو توصى عليهم من يعينهم مالياً.
وهناك نوع آخر يحتاج ويستحى أن يطلب أو أن يعلن عن احتياجه. وواجبك أن تساعد مثل هذا فى سرّ. ونحن نسمى هذه النوعية بالأسر المستورة. وتحتاج مساعدتهم إلى لباقة وستر. ومن أمثلتهم من تضطره ظروفه الصحية الى عملية جراحية تكلفه ماهو فوق طاقته، أو قد يحتاج الى مجرد ثمن الدواء ولا يجد.. أو يضطر الى الاستدانة فى تزويج إبنته، أو فى تهيئة سكن لإبنه أو فى دفع مصروفاته الدراسية.
أما أن نشعر باحتياجات الناس ولا نهتم، فليس هذا نبلاً، ولا يتفق مع المبادئ الإنسانية، ولا مع العلاقات الاجتماعية!!
***
نقول نفس الكلام بالنسبة الى المسئولين الذين يدفعون للعاملين تحت إدارتهم أجوراً زهيدة أو مرتبات لا تغطى احتياجاتهم
وهنا تأتى علاقة صاحب العمل بالعاملين الذين يأخذون أجرهم منه، وهل هو يكفيهم فى حياتهم أم لا؟ وكلما كان صاحب العمل سخياً فى العطاء، وفى الحوافز والعلاوات، وفى مراعاة موظفيه صحياً واجتماعياً ومالياً... على هذا القدر تكون محبتهم له، وعرفانهم بجميلة، ودعاؤهم له بأن يكافئه الله حسب هذا الحنو الذى يمتلئ به قلبه من ناحيتهم...
***
إن المجتمع لا يحتاج الى علماء يكتبون فى علم الاجتماع أو علم النفس، بقدر ما يحتاج الى قلوب نبيلة تحسّ احتياجات الناس وتساهم فى إراحتهم..
ما أجمل عبارة "فرحاً مع الفرحين، وبكاءً مع الباكين". وما أنبل القلب الشفوق الذى لا يستطيع أن ينام، بينما جاره أو صديقه فى ضيقة وما أعظم قدر الذين يتعبون لأجل غيرهم.
وكل مسئول فى منصب معين، سوف لا ينسى له الناس مساهمته فى إراحتهم. تنقضى فترة مسئوليته فى وقت ما، ولكن سيرته الطيبة لا تزول مطلقاً من ذاكرة الناس، بل يذكرونه بالخير فى كل علاقاته الطيبة معهم.
إن المسألة ليست مجرد ادارة، إنما بالأكثر هى رعاية
***
وهنا نتذكر أن فى غالبية المصالح والشركات والمؤسسات، بل وفى الوزارات أيضاً ادارة هى (العلاقات العامة) فهل هى مجرد ادارة عبارة عن موظفين وكتابات ومراسلات وباقى الأعمال الإدارية، أم هى علاقة عملية دعامتها المودة والصلة الهادفة للخير عملياً وحسن العلاقات؟... إن كان الأمر كذلك، فسوف تؤول الأمور الى الخير بمشيئة الله. إما إن اقتصرت على الرسميات وكفى، فإنها تكون قد فقدت هدفها النبيل