الصلبان في الحياة:
لكل منا صليبه المناسب لقامته الروحية وظروف حياته، وتقول القصص الشعبية أن واحدًا تذمّر على صليبه وطلب استبداله، ولما طُلِب إليه اختيار ما يناسبه راح يتنقّل بين الصلبان حتى اختار أخفّها وأشيكها، فلمّا تفحّصه جيدًا وجده أنه صليبه الذي اختاره له الرب منذ البداية.
ونحن كثيرا ما نقع في خطأ كبير عندما نتذمّر ونستغرق في تفكير عميق باحثين عن مخرج، متذمّرين ناقمين أحيانًا، وننسى أن هذا صليب من الرب، وقد لا يكون هناك سبب سوى أن الله يؤدّبنا وينقّينا ويعدّنا للملكوت، ومن ثَمّ علينا أن نصبر ونفرح ونشكر: «إنْ كُنّا نَتألَّمُ معهُ لكَيْ نتمَجَّدَ أيضًا معهُ» (رومية 8: 17). هذا هو الفرق بين المسيحية وغيرها من جهة التعامل مع الضيقات والآلام، المسيحي له المسيح مرجعية، بل وقد نبّه الرب الجموع مرارًا كثيرة إلى هذا الأمر، حتى أنه أكثر النصائح التي وجّهها في تعاليمه.
والصلبان نوعان: داخلي وخارجي؛ الداخلي هو الحروب والخطايا، وربما الأمراض، وما يعانيه الإنسان على مستواه الشخصي، بينما الخارجي هو الإهانات التي يتعرّض لها، لا سيما كمسيحي.
1- صليب المرض: سواء مرض الشخص طويلاً، أو تعرُّضه لحادث أو عاهة، وربما مرض من حوله أمراضًا مزمنة مثل أحد أفراد الأسرة. وهو صليب ثقيل عندما يطول المرض، ويتخلّله المشاجرات الناتجة عن صغر النفس، أو الإهمال في التمريض، أو التشكُّك في الحب، أو الخسارة المادية، أو ضياع الوقت بسبب التمريض، أو الملل الناتج عن طول المدة.
2- صليب الخسارة المادية بأنواعها: التجارة التي خسرت، البيت الذي هُدِم، الوظيفة التي فُقِدت، لا سيما إذا امتدّ تأثير ذلك لفترة طويلة.
3- ابن عاق أو ُمعاق، أو زوج مشاغب أو منحرف، أو العكس؛ أو سلوك يجلب نوعًا من العار على الشخص، مثل من يطارد الدائنون قريبه ربما اخصائه.
4- السجن والتعيير: لا سيما عندما يرافق ذلك معاناة داخلية بسبب الندم أو الشعور بالظلم، أو مضايقات من حوله، أو القلق على أسرته، ويزداد ذلك ضراوة كلما طالت المدة.
5- الفضائح السياسية أو الأخلاقية: ما هو صحيح منها وما هو كاذب، وفي الحالتين هناك الآلام الناتجة عن الفضيحة، أو شخص ترك المسيح من الأسرة، أو تزوّج زواجًا مخالفًا أو معيبًا، وعلى الأهل والأقارب أن يجترّوا آلامهم.
+ + +
وهكذا لا يوجد شخص لا صليب له، ولا شوكة يتوجّع منها، هذا بالطبع عندما يكون راشدًا يشعر بالمسئولية والألم، ومن هنا يُستثنى من ذلك الأطفال وغير العاقلين أي الذين لا يدركون، ويزداد الألم لا سيما عندما يشعر الشخص بالعجز أمام هذه التجربة أو الآلام، ولكن المسيح تجرّب مثلنا وبالتالي يقدر أن يعين المجرَّبين، وأنه يعطي القدرة على الاحتمال، والمنفذ مع التجربة، ويستخدم الله التجربة والصليب لخلاصنا
بل يفرح الناس بصلبانهم يحملونها برضىً وفرح، بل يطلب القديس بولس أن يكمل نقائص شدائد المسيح في جسده (كولوسي 1: 24)، أي ما يجب أن يتألم به لأجل المسيح، مثلما تألم هو لأجلنا، ولكنه حسب أن آلامه تُعدّ شيئًا يسيرًا بالقياس إلى آلام المسيح. لقد سار المسيح في نفس الطريق، واختبر معنى الظلم والتشهير والإهانة ورفض خاصته له.
هذا يفسّر لنا كيف احتمل الشهداء والمعترفون والقديسون السجن والتعذيب والقتل والاضطهاد، وغيرهم احتملوا الجوع والعري والغربة، ومنهم من كان من الملوك والأمراء، وحملوا الصليب بفرح، واجتازوا هذا العالم، وعيّدوا مع المسيح. وفي ذكصولوجية الصليب نهتف: " السلام لك أيها الصليب عزاء المؤمنين وثبات الشهداء حتى اكملوا عذاباتهم"
+ + +
إذًا فإن التزامات تبعية المسيح هي:
1- إنكار الذات: ليتمجّد الله ويتنقّى الإنسان، ويصبح الله هو المركز.
2- ترك الكل: كل ما نملك، وكل من حولنا، متخلّين عن أمور هذا العالم.
3- حمل الصليب بفرح ووعي: فإن من يحب ذاته لا يمكنه أن يحمل الصليب.
"الصليب هو سلاحنا الصليب هو رجاؤنا الصليب هو
ثباتنا في ضيقاتنا و شدائدنا" (ذكصولوجية الصليب)