وقد شهد القس إيسوزورس لابنه وتلميذه موسى، كما رشحه الآباء بالإجماع كاهنًا مساعدًا له، وكان موسى قد سيم شماسًا مساعدًا للقس ايسيذورس (بعد نياحة الشماس بيشوي الذي كان من القسطنطينية والذي كتب سيرة القديس أرسانيوس). وكانت رسامة موسى في عهد البابا ثيؤفيلس (البطريرك الثالث والعشرون) والذي كان يحب البرية كثيرًا ويزورها سنويًا ليتتلمذ على الآباء هناك. وقيل أنه لمّا بدأ الأب البطريرك يضع عليه يده للرسامة، سمع الحاضرين صوتًا من أعلى قائلًا: أكسيوس. أكسيوس. أكسيوس. (أي مستحق. مستحق. مستحق).
وبعد رسامته ألبسوه الثياب البيضاء، فقال له الأب البطريرك: هوذا قد صرت كلك أبيضًا يا موسى، فرد عليه موسى مداعبًا أيضًا: من الخارج أم من الداخل يا أبانا؟ وأراد أن يختبره أيضًا بلطف -وكأنه يلقي بالبخور في النار لتفوح وتشيع رائحته- فأوعز الأب البطريرك للرهبان أن يطردوه من الهيكل عند دخوله ليختبر احتماله.. فلما جاء انتهروه قائلين: اخرج يا حبشي، فما كان منه إلاّ أن لامَ نفسه قائلًا: حسنًا صنعوا بك يا أسود اللون.. ما أنت بإنسان فكيف تحشر نفسك بين الناس؟
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
القديس موسى الأسود المدبر الروحي
**********************
عجيب أن يصبح هذا الإنسان ليس راهبًا فاضلًا فحسب دائمًا مرشدًا لكثيرين، وقد كتب عنه أنه كان أب ومرشد لعدد خمسمائة راهب، وعوض السبعين لصًا الذين تلمذهم وعلمهم صنوف وألوان الجرائم والموبقات، أصبح عمله أن يأخذ بأيدي المبتدئين من الرهبان ليسلمهم طريق الفضيلة بحكمة وإفراز نادرين، يعكسان اعتداله الشديد في الفكر والعمل.. بل وأنه ترك عند نياحته سبعين تلميذا من الرهبان، وكأنّه يسدد الدين الذي عليه!!
والذي يقرأ أقواله الآن ومواقفه وردود أفعاله يدرك وكأن القديس يحيا حياته وكأنه يعيش مع كل منا في مخدعه وفي خدمته، إنه يذكرنا بالقديس بولس والذي تحول من أعظم مضطِهد إلى أكثر المضطهَدين في الكنيسة "فإنكم سمعتم بسيرتي قبلًا في الديانة اليهودية أني كنت اضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها" (غلاطية 1: 13).
ومن الطريف أن يهاجمه أربعة من اللصوص في بدايات حياته الرهبانية حيث كانت قلالي الرهبان المتفرقة في الجبل هدفًا للصوص، مثلما أصبحت الأديرة كلها هدفًا لهجمات البربر فيما بعد، والتي اُستشهد موسى في إحداها.. ولكن موسى يقتاد اللصوص الأربعة مقيدين إذ كانت قوته الجسدية ما تزال فيه، وسلمهم للآباء في الدير ليروا ماذا يصنعون معهم، ولكنهم طلبوا إليه أن يتعامل هو معهم، فأكرمهم كثيرًا وتلاطف معهم، فتأثروا بذلك ولكن غبطتهم ازدادت وكذلك دهشتهم عندما عرفوا أن مضيفهم ما هو إلا موسى اللص الشهير، فتابوا على يديه، وتفيد بعض المصادر أنهم حذوا حذوه في الطريق الرهباني.