يعطى القديس منهجًا للمجاهدين فيما يتعلق بالفكر، فيقول: "عندما تستيقظ عند الصباح تذكّر أنك ستعطى الله جوابًا عن كل أعمالك وأنت لا تخطيء أبدًا، بل وتسكن فيك مخافة الله، تذكر دائمًا أنك يومًا ما ستلتقي بالرب وسوف تصنع ما يرضيه، افحص نفسك ههنا واعرف ماذا ينقصك حتى تنجو من الشدة -ساعة الموت- ويبصر أخوتك أعمالك فيمتلئوا غيرة، اختبر نفسك كل يوم وانظر أي الأوجاع غلبت، ولا تثق في ذاتك بل لتعرف أن الرحمة والمعونة هما من عند الله، ولا تظن في نفسك أنك اقتنيت شيئًا من الصلاح حتى آخر نسمة في حياتك، . لا تقل في نفسك "من مثلى أنا" لأنك لا يمكن أن تطمئن من جهة أعدائك، ولا تثق في نفسك ما دمت في الجسد إلى أن تعبر من سلاطين الظلمة.
وعن مواجهة الأفكار يقول "ليكن قلبك شجاعًا من جهة الأفكار حتى تخف عنك، أما الذي يخاف منها فهي تسحقه، كذلك الذي يفزع منها هو كمن لا إيمان له بالله، أما الذي يطرح ذاته قدام المسيح بكل قلبه يصير أقوى منها".
وهذا جانب من القوة الروحية القديس موسى، ومن بين الأسباب التي جعلته قويًا في رهبنته وجهاده، ألاّ يتراجع أمام الحروب، فالشيطان مثل وحش رديء من يهرب منه يطارده ومن يجرى وراءه يهرب منه.. حقًا يقول الكتاب "اطبعوا سكاتكم سيوفًا ومناجلكم رماحا ليقل الضعيف بطل أنا" (يوئيل 3: 10). ثم يعود فيحذر من الشبع من النوم، والذي من شأنه أن يولّد الأفكار ويثيرها، في حين أن السهر بمقدار يعين على خلاص النفس، النوم الكثير يولد كثرة الخيالات، والسهر بمعرفة ُيزهر العقل ويجعله مثمرًا، النوم الكثير يجعل الجسم كثيفًا، والسهر بقدر يجعله لطيفًا، من ينام بمعرفة أفضل ممن يسهر في الكلام البطال..
ليلاحظ القارئ كيف يركّز القديس موسى على الاعتدال.."النوم بمعرفة.. والسهر بمقدار"، وهو يؤكد هنا أنه قد وَعَى الدرس جيدًا، حين طلب إليه القديس إيسيذورس أن يتعقل في جهاده، إذ كان مندفعًا في البداية كما أسلفنا، وسنلاحظ أن هذا التدبير قد صار منهجه في الحياة النسكية: يحياه ويسلمه لتلاميذه، إذ من الخطورة أن يجنح الإنسان سواء جهة اليمين أو جهة الشمال، حسنًا قال الآباء أن "الطريق الوسطى خلصت كثيرين".
ولاشك أنه من أكثر الآباء الذين اختبروا حروب الأفكار وثقلها، وذلك بسبب الرصيد الضخم لديه من الخبرات السلبية والتي كانت تطفو على صفحة عقله بين آن وآخر، لاسيما عندما يتهيأ للصلاة، ولعل أفكار الشهوة من أشد حروب الفكر ضراوة بالنسبة للمجاهد.