آية (14): "نجني من الدماء يا الله إله خلاصي. فيسبح لساني برك."
الدِّمَاءِ = تشير لكل نفس كنا سبباً في عثرتها وسقوطها. وربما بالنسبة لداود فهو يذكر خطيته تجاه أوريا. وداود يعد الله أنه حينما يخلص من هذه الخطية لن يكف عن تسبيحه. والله خلصنا وغفر خطايانا بعدله الذي ظهر في موت المسيح على الصليب. . لذلك يقول فَيُسَبِّحَ لِسَانِي بِرَّكَ = "فيبتهج لساني بعدلك" (سبعينية). أي صليبك الذي نجاني من خطاياي. فعدل الله رحيم. ونلاحظ أن كلمة عدل وكلمة بر هما كلمة واحدة في العبرية. فعدل الله ظهر على الصليب إذ قبل المسيح حكم الموت عنا وبدمه تبررنا، وظهر على الصليب بر الله وتحققت وعوده في خلاصنا.
آية (15): "يا رب افتح شفتي فيخبر فمي بتسبيحك."
حينما يفتح الله فمنا سيخرج منه كلام طيب، كلام تسبيح. أما لو كان المتكلم هو الذات سيخرج كلام كبرياء لا يخلو من معصية (أم19:10). ولنلاحظ أن الإنسان المستعبد لخطية لا يستطيع أن يسبح (مز 137: 1-4). والشعب سبح تسبحة موسى بعد أن حرره موسى وخرجوا من عبودية فرعون. وهكذا نسبح في السماء (رؤ3:14). وكما غفرت خطايانا بالصليب، فنحن أيضا تحررنا من عبودية الشيطان، ومن تحرر يسبح.
الآيات (17، 16): "لأنك لا تسر بذبيحة وإلا فكنت أقدمها. بمحرقة لا ترضى. ذبائح الله هي روح منكسرة. القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره."
الله لا يسر بالمحرقات إن لم يشترك فيها القلب (إش11:1، 12)، والله لا يسر بمظاهر العبادة الخارجية والقلب مبتعد بعيداً، فالله يقول "يا إبنى إعطني قلبك" (أم23: 26) وراجع أيضا (إش13:29). والله يطلب القلب المنسحق والمتواضع والتائب عن خطيته (إش15:57).
الآيات (19، 18): "أحسن برضاك إلى صهيون. ابن أسوار أورشليم. حينئذ تسر بذبائح البر محرقة وتقدمة تامة. حينئذ يصعدون على مذبحك عجولًا."
لقد بدأ داود مزموره بالاعتراف بخطاياه وينهيه بالتمتع بحياة شركة كنسية قوية فبنزع خطايانا نعود للشركة مع الكنيسة مقدمين ذبائح عجول شفاه أي تسابيح (هو2:14). وصهيون وأورشليم رمز للكنيسة أو النفس. وما هي أَسْوَارَ أُورُشَلِيمَ = هي العودة لحماية الله والدخول في حمايته فيكون سوراً لنا (زك5:2).
قد تكون هذه الآيات الأخيرة قد وضعت بعد سبى بابل، وقد أضافوها على أشهر مزامير التوبة، كأنهم يدعون المسبيين في بابل للتوبة ليعيدهم الله إلى أورشليم ويعيد لهم بناء الهيكل فيعودون لحياة العبادة والشركة مع الله .
وقد يكون داود قد كتب هذه الأيات كتائب يطلب من الله أن يعيده لشركة العبادة ويحميه من السقوط ثانية ويحمى أورشليم التي كانت مهددة بسبب خطيته إذا كانت ثورة إبشالوم ابنه قد نجحت.
وبالنسبة لنا فنحن نصليها ليحمى الله الكنيسة، ويحمى ويحافظ على أولاده بداخلها ويفرحون بعبادتهم في الكنيسة، ويفرح الله بهم ويكون في وسطهم، وهم يقدمون أنفسهم ذبائح حية، صالبين أجسادهم مع الأهواء والشهوات (غل5: 24) = تُسَرُّ بِذَبَائِحِ الْبِرِّ، مُحْرَقَةٍ وَتَقْدِمَةٍ تَامَّةٍ وقارن مع (رو12: 1).
حِينَئِذٍ يُصْعِدُونَ عَلَى مَذْبَحِكَ عُجُولاً = هذه تعنى تقديم التسبحة والشكر لله في كل حال وعلى كل حال حتى في الضيقات ثقة منا أن الله صانع خيرات، وهذه الثقة التي بها نسبح الله وسط الضيقة هي الإيمان إلى به يرضى الله "بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه" (عب11: 6).
وهذه الآيات مناسبة تماما لأشهر مزامير التوبة، فالتائب الحقيقى لا يمكن له أن يحيا حياة مسيحية بعيدا عن شركة الكنيسة.