نصف دائمًا الخطية بأنها انفصال عن الله.. وما دام الإنسان يحيا حياة الخطية فهو دائمًا بعيد عن الله يحيا في كورة بعيدة، فلا يتمتع بوجوده مع الله إلاَّ إذا ترك هذه الكورة البعيدة ورجع إلي بيت أبيه مرة أخرى وقدّم توبة.. إذًا فالتوبة هي رجوع وعودة إلى حضن الآب السماوي.
فعندما ننظر إلى الابن الأصغر.. (لو15: 11-32):
* نجدة تمرد على أبيه.. وأخذ ما يحق له من الميراث.
* وأراد أن يعيش بعيش مُسرف، ويبدد هذه الأموال (هذا هو الميول والتفكير في ارتكاب الخطية).
* ثم نفذ ذلك.. بأن صمم على أخذ ماله بعد أن نصحه أبوه، ولم يسمع النصيحة (وهذا هو التصميم على فِعل الخطية).
* وذهب فعلًا إلى كورة بعيدة، وهناك عاش العيشة المُسرفة، فتبددت أمواله (وهذا هو فِعل الخطية نفسه).
* ثم بعد ذلك ضاعت ثروته ونضارته، وفقد الجميع (وهذا هو تخلي النعمة الإلهية عن مَنْ يسلك في الخطية بعناد وتصميم).
* ثم احتاج أن يأكل مما يأكله الخنازير فلم يجد (وهذا ما تفعله الخطية في الإنسان.. أن تنزله من مرتبته الإنسانية الجميلة) التي خلقت على صورة الله ومثاله.. "فخَلَقَ اللهُ الإنسانَ علَى صورَتِهِ. علَى صورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وأُنثَى خَلَقَهُمْ" (تك1: 27).
* وأخيرًا فكّر في العودة إلى بيت أبيه عندما جلس مع نفسه وقال: ماذا فعلت إنني أُهلك جوعًا!! (وبالطبع سوف يهلك الإنسان المنغمس في الخطية جوعًا، ليس جسديًا فقط بل روحيًا) لأنه ابتعد عن الخبز السماوي.. "خُبزَ اللهِ هو النّازِلُ مِنَ السماءِ الواهِبُ حياةً للعالَمِ" (يو6: 33).
* ولكن هذا الابن الشاطر وقف مع نفسه، وأخذ قرارًا جديًا بأن يترك الخطية، ويرجع إلى أبيه.. "أقومُ وأذهَبُ إلَى أبي" (لو15: 18)، وهذا ما يفعله الإنسان عندما يفيق ويعود إلى نفسه، ويحاسب نفسه عن خطأه والخطايا التي وقع فيها، ويقول لنفسه: لماذا فعلت هذا الجُرم العظيم وأخطأت إلى الله؟
* فقام الابن مسرعًا نحو أبيه ليعتذر عما صدر منه، ويستسمح أبوه لكي يغفر له، وقدم ندمًا على فِعله.. "أخطأتُ إلَى السماءِ وقُدّامَكَ" (لو15: 18)، (وهذا ما يفعله الإنسان في الاعتراف أمام الأب الكاهن).
وهذا ما يميز مسيحيتنا ومسيحنا الحنون.. فهو يقف من بعيد فاتحًا ذراعيه لكل إنسان يعود ويندم على فِعل الخطية، ويقدم توبة فيقبله لأنه هو القائل: "مَنْ يُقبِلْ إلَيَّ لا أُخرِجهُ خارِجًا" (يو6: 37). ولأن الله"يُريدُ أنَّ جميعَ الناسِ يَخلُصونَ، وإلَى مَعرِفَةِ الحَق يُقبِلونَ" (1تي2: 4)
ونلاحظ أن الله عندما خلق الإنسان طاهرًا قديسًا.. خلقه على صورته ومثاله، لكنه بعصيانه لخالقه سقط في الخطية، فتغيرت طبيعته، وسقط من رتبته، وفَقَدَ أشياء كثيرة..
* فَقَدَ الفردوس الذي كان يتنعم فيه بوجوده في حضرة الله المستمرة.
* فَقَدَ سلامه وفرحه وسلطانه كتاج للخليقة.. لأن لله سلطان على كل شيء.
* فَقَدَ أشياء كثيرة لا تقدّر قيمتها، ولا يُقيّم ثمنها، وبقيت الخطية لاصقة به بآثارها.. يتلوى من آلام أشواكها، ويعاني من مرارة مذاقها، ويسري سُمها في جسده.
* لقد نقض بيده خيمة مسكنه السمائي، فعصفت به رياح الشهوات، وتعرى بإرادته من ثوب البر، فعانى من برودة الإثم، ونأى بنفسه عن شمس البر.. فلم يتمتع بالشمس، ولا استدفئ بحرارتها.. بل أصبح في برودة مستمرة وهي برودة الخطية لبعده عن شمس البر.
وليكن معلومًا عندنا أن الخطية التي نستخف بها –حتى ما يبدو لنا منها تافهًا– هي العصيان ضد الله، وهي تعدي عليه: "كُلُّ مَنْ يَفعَلُ الخَطيَّةَ يَفعَلُ التَّعَديَ أيضًا. والخَطيَّةُ هي التَّعَدي" (1يو3: 4).
والخطية أيضًا هي انفصال عن الله، لذلك تصبح موت للإنسان، . "ابني هذا كانَ مَيّتًا فعاشَ، وكانَ ضالاًّ فوُجِدَ" (لو15: 24)، "وأنتُمْ إذ كنتُم أمواتًا بالذُّنوبِ والخطايا" (أف2: 1).
فإذا كانت الخطية هي (موت روحي وانفصال عن الله)..
إذًا فالتوبة هي انتقال من الموت إلى الحياة.
* وذلك كما قال لنا مُعلِّمنا يوحنا: "نَحنُ نَعلَمُ أنَّنا قد انتَقَلنا مِنَ الموتِ إلَى الحياةِ" (1يو3: 14).
* وهكذا أوضح لنا مُعلِّمنا بولس قوله: "استَيقِظْ أيُّها النّائمُ وقُمْ مِنَ الأمواتِ فيُضيءَ لكَ المَسيحُ" (أف5: 14).
* ويوضحها أكثر مُعلِّمنا يعقوب: "فليَعلَمْ أنَّ مَنْ رَدَّ خاطِئًا عن ضَلالِ طريقِهِ، يُخَلّصُ نَفسًا مِنَ الموتِ، ويَستُرُ كثرَةً مِنَ الخطايا" (يع5: 20).