هو الاستعداد، وهو في عيدي الميلاد والغطاس، وأما عيد القيامة فيسبقه صوم طويل. وكان الناس فيما مضى يقضون يوم البرمون في الكنيسة، ويستمرون حتى ينتهي القداس صباحًا. وإذا جاء العيد يوم الاثنين صمنا ثلاثة أيام هي الجمعة والسبت والأحد، إذ يجب أن يكون البرمون يومًا يجوز في الصوم الانقطاعي، وبالتالي إذا جاء يوم الأحد يكون الصوم يومين وهكذا. وتُقرأ نفس القراءات في أيام البرمون أيًا كان عددها. وفي هذا العام يأتي البرمون في يوم صوم طبيعي وهو الجمعة، والفرق هو أن الطقس سنوي وليس كيهكيًا، حيث دخلنا في الاحتفال بالعيد.
ومن خلال القراءات الكنسية نلاحظ أن الكنيسة تؤكّد ميلاد المسيح بالجسد، وكأنها تستعرض شهادة الميلاد، ففي العشية نقرأ: «كتاب ميلاد يسوع المسيح بن داود بن إبراهيم..» (متى 1: 1)، وفي باكر نقرأ كيف تم الميلاد أو توثيق الولادة: «وأما ولادة يسوع فكانت هكذا ..» (متى 1: 18)، وفي البولس يؤكّد القديس بولس أنه من نسل إبراهيم، ويستعيد النبوة في تكوين 12: 1، ويؤكد أنها تتحدث عن شخص معين هو الذي به تتبارك الأمم وليس أنسال (غلاطية 3: 16). أمّا الكاثوليكون فيلفت فيه القديس يوحنا الأنظار إلى هرطقة ظهرت في أيامه تنكر ميلاد المسيح بالجسد، الهرطقة التي وقع فيها الدوسيتيون ومن بعدهم أوطاخي، في أن اللاهوت ابتلع الناسوت مثلما يبتلع المحيط نقطة من الخل، وهرطقة نسطور التي نادت بأن المسيح ولد شخصًا عاديا ثم اتحد باللاهوت اتحاد مصاحبة في وقت لاحق لتتميم الفداء، ولكن القديس يوحنا يؤكد أن الرب يسوع اتخذ جسدًا خاصًا به، وأن الاتحاد تم في ذات لحظة التجسد، ويحذّر: «أيها الأحباء لا تصدّقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله، لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم. بهذا تعرفون روح الله: كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله، وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله، وهذا هو روح ضد المسيح الذي سمعتم أنه يأتي، والآن هو في العالم» (يوحنا الأولى 1: 1-3). أما القديس بولس، ففي حديثه مع اليهود في أنطاكية بسيدية، والوارد في قراءة الإبركسيس، يدلّل على أن المسيح أتى من نسل داود بحسب الوعد: «من نسل هذا حسب الوعد أقام الله لإسرائيل مخلصًا يسوع» (أعمال 13: 23). وفي إنجيل القداس اقتبست الكنيسة قصة الرعاة وبشارة الملاك لهم، وهذا يناسب البرمون الذي يهيئ للعيد، فهوذا الملاك يبشر الرعاة وينصحهم بالتوجه إلى المذود للتأكد بأنفسهم، في حين تختار الكنيسة قصة المجوس ليلة العيد نفسه، وفيها تأكيد على تحقيق النبوات والتي شرحها شيوخ اليهود لهيرودس، كما كان مجيء المجوس بناءً على تحقيق نبوات بلعام جدهم عن المسيح من خلال النجم الذي ظهر، وبقراءة فصل زيارة المجوس تؤكد الكنيسة مجيئه لكل من اليهود والأمم، لقد صالح الكل معه، اليهود والأمم.
وأما ألحان ومردات الكنيسة فتسير في نفس الاتجاه، وهو التأكيد على الميلاد بالجسد وتوثيق ذلك، كما تتحدث عن العجب في ذلك؛ فإن المولود من الآب بغير ألم إذ هي ولادة طبيعية لاهوتية، وُلد أيضًا من العذراء بغير ألم الخطية، أي لم يرث منها الخطية الجدية، غير أنه مولود منها بآلام الولادة الجسدية الطبيعية مثل أي أم، أما معجزة الولادة هنا فهي أنها لم تفقد بتوليتها بالولادة "دائمة البتولية". فإذا لم تكن هناك تلك الآلام الطبيعية في الولادة لكانت غير حقيقية مثل كل البشر.
«والكلمة صار جسدًا وحل بيننا، ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقا«