«لأنّي عَلِمتُ أنَّكَ إلهٌ رَؤوفٌ ورحيمٌ بَطيءُ الغَضَبِ وكثيرُ الرَّحمَةِ ونادِمٌ علَى الشَّرِّ» (يونان 4: 2)
«الرَّبُّ رحيمٌ ورَؤوفٌ، طَويلُ الرّوحِ وكثيرُ الرَّحمَةِ. لا يُحاكِمُ إلَى الأبدِ، ولا يَحقِدُ إلَى الدَّهرِ. لَمْ يَصنَعْ معنا حَسَبَ خطايانا، ولَمْ يُجازِنا حَسَبَ آثامِنا. لأنَّهُ مِثلُ ارتِفاعِ السماواتِ فوقَ الأرضِ قَويتْ رَحمَتُهُ علَى خائفيهِ. كبُعدِ المَشرِقِ مِنَ المَغرِبِ أبعَدَ عَنّا مَعاصيَنا. كما يترأفُ الأبُ علَى البَنينَ يترأفُ الرَّبُّ علَى خائفيهِ. لأنَّهُ يَعرِفُ جِبلَتَنا. يَذكُرُ أنَّنا تُرابٌ نَحنُ.» (مزمور103: 8-14)
إنها أجمل صفات الله، وهي التي رتّبت لنا الخلاص الثمين: «مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ» (رومية3: 24،25). لقد أطال الله أناته على الإنسان واحتمله في أزمنة الجهل، كما يطيل أناته على الخطاة الآن لعلهم يتوبون، والقديس بطرس في ردِّه على الذين سخروا من فكرة المجيء الثاني، أجاب بأن الله إنما يطيل أناته لكي يهب الفرصة لأكبر عدد من البشر ليخلصوا: «وَلكِنْ لاَ يَخْفَ عَلَيْكُمْ هذَا الشَّيْءُ الْوَاحِدُ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ: أَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ، لكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ» (بطرس الثانية3: 8،9). ويقول أيضًا: «وَاحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصًا» (3: 15) – أي جزءًا من خطة الله لنا.
الله الطويل الأناة، "بي ريف اواو انهيت pirefwou`n\ht": لو أن أي شخص منّا كان مكان الله، أو عمل كإله لفترة، أو أحد الرؤساء المتألِّهين، لأهلك كثيرين في غضبه ولمخالفة الناس إيّاه، وبسبب كبريائنا فإننا نحكم على كثيرين أو ننتقم منهم، هذا مع الوضع في الاعتبار أننا بشر وقد نخاف، وقد نندم، وقد نخشى انتقام الله، ولكن لو كنّا مكان الله كليّ القدرة، ولن يراجعنا أحد بالطبع، وليس فوقنا من هو أعلى، ماذا عسانا أن نفعل لا سيما ونحن الخالق والذي بيده الحياة والموت؟
ولكن العجيب أن الله الذي بيده كل شيء، ولن يراجعه أحد، ولن يُلام من إنسان أو ملاك، هو أكثر شخص طويل الأناة! فلماذا يطيل أناته؟ وكيف يطيلها؟ وماذا لو أساء الإنسان استغلالها؟
و"طول الأناة" في اللغة العبرية تعني حرفيًا "طول الأنف" (إروخ أفايم) أو "طول النفس"، لأن الغضب يظهر في أنفاس عنيفة سريعة تخرج من الأنف، ومن هنا جاء التعبير "بطيء الغضب " أو "طويل الروح"، وتُرجِمت إلى اليونانية "مكروتوميا" .. وتعني حرفيًا "طول البال أو النفس"، باعتبار النفس مركز العواطف، بالمقابلة مع ضيق الفكر أو النفس وسرعة الغضب وقصر العقل ونفاد الصبر وعدم القدرة على الاحتمال.
وتُترجَم نفس الكلمة اليونانية في بعض المواضع "يصبر" أو "يتمهّل" كما ورد في مثل المديونيْن في (متى18: 26-29): «تمهل علىَّ»، كما يظهر معناها بوضوح في القول في مثل قاضي الظلم: «أفلا ينصف الله مختاريه.. وهو متمهِّل عليهم» (لوقا18: 7)، وقد جاءت هذه العبارة في بعض الترجمات الإنجليزية: «…وهو يتمهل في الانتقام لهم»، ولعل هذا أقرب إلى المعنى المقصود.
،، البقية غداً ،، بمشيئة الرب