تتمتع كنيستنا القبطية بشركة حب مع كنائس العالم، وهناك العلاقات والحوارات والمجالات المشتركة التي تتفاعل فيها الكنيسة مع شقيقاتها الأخريات.
وأشعر بثقة الإيمان أن الله القدير الذي دبّر في القديم أن تكون مصر مخزن الطعام للبلاد المحيطة أيام يوسف الصديق وأيام إبراهيم أبي الآباء والذي جعل مصر ملجأ له في هروبه السعيد إلى مصرنا الحبيبة، والذي جعل مصر منارة تحمل على عاتقها شرح وحفظ وتقنين الإيمان الأرثوذكسي.. هو نفسه يدبر الآن أن تكون كنيسة مصر مخزنًا للغذاء الروحي ومخبأ للروح القدس.. وأيضًا منارة تعود تنير للعالم الذي أظلم من التعليم المسيحي ومن نور الإنجيل.
علينا الآن مسئولية العصر الرسولي بالنسبة للعالم كله، فكنيستنا بها الإيمان الرسولي السليم والروحانية القلبية الصادقة، والآباء والشباب الروحانيين والنشطاء، وعلينا أن نحمل نفس شعلة الآباء لتنير بها العالم ثانية. ولكن ما الذي يميز كنيستنا حتى تتثقل بهذا العبء؟
1- كنيسة رسولية :
فقد أسس كنيستنا رسولنا المحبوب مار مرقس أحد الأربعة إنجيليين وأحد السبعين رسولاً. نقل إلينا نار الروح القدس، كما سلّمنا الإنجيل المقدس والإيمان الأرثوذكسي، واستمرت نيران الروح وأمانة الكلمة وسلامة التعليم سارية في كنيستنا بكل فخر من جيل إلى جيل وحتى يومنا هذا.
إنها دعوة لكل كنيسة في العالم أن تتأمل في كنيستنا القبطية لترى فيها صورة صادقة للعصر الرسولي في إيمانه وإنجيله وعمل الروح القدس فيه.
2- كنيسة تراثية :
لم تكتفِ الكنيسة بما نقله إليها كاروزنا المحبوب، بل كان الروح القدس يعمل بقوة في كل جيل، وكانت خبرة الآباء تتراكم جيلاً بعد جيل لتملأ ذاكرة الكنيسة بالروح القدس: شهادة وتعليمًا وتفسيرًا ووضوح ورؤية وخبرة حياة وصياغة لاهوت.
إننا جيل سعيد لأننا ورثنا عن آبائنا العظماء ميراثًا وتراثًا غنيًا هائلاً، مازلنا ننهل منه بكل فرح وشبع.
3- كنيسة معرفة :
أنشئت أول مدرسة لاهوتية مسيحية في العالم في الإسكندرية على يد القديس مرقس الإنجيلي، لتجابه بالمعرفة والعلم والحكمة كل فلسفات الوثنية ومعارفها التي كانت تنشرها مدرسة الإسكندرية الوثنية.
لم تحتقر كنيستنا المعرفة والعلم والفلسفة بل نصرّتها واستخدمتها لشرح الإيمان واللاهوت دون انزلاق إلى أي فكر وثني أو يهودي، بل احتفظ التفسير والشرح القبطي الأرثوذكسي بنقاوة المسيحية وأصالته الإنجيلية وتدقيقه الأرثوذكسي.
كنيستنا مهتمة بنشر المعرفة للشعب، فلا توجد علوم حكرًا على الإكليريكية والمعاهد اللاهوتية، ولا تكتفي كنيستنا بالمناداة على الشعب بالتوبة، بل تهتم بشرح القضايا الإيمانية.. الثالوث والتجسد والفداء والأسرار وحياة الكنيسة والمعمودية والإفخارستيا وحياة الدهر الآتي.... والكنيسة في هذا تتعلم من السيد المسيح الذي اهتم بشرح الإيمان لسامعيه وتلاميذه، كذلك تنتبه كنيستنا إلى قول الكتاب: "هلك شعبي من عدم المعرفة" هو4 : 6.
4- كنيسة كتابية :
كنيستنا – مازالت – وسوف تستمر تحترم الكتاب المقدس، وتوقره باعتباره أنفاس الله ووحي الروح القدس، ونؤمن بعصمة الكتاب، وهو مصدرنا الرئيسي والأول للفكر والإيمان والروحانية، وتهتم الكنيسة بقراءة فصول منه في كل الليتورجيات، وتهتم بالشرح والتفسير واجتماعات درس الكتاب، كما تهتم بتحفيز الناس على القراءة المنتظمة يوميًا في كلمة الله الحيَّة المقدسة.
وكتابنا المقدس هو حياة نعيشها، وغذاء نأكله أكثر من كتاب ندرسه، ولدينا تراث هائل من شروحات الآباء وتفسيراتهم العميقة المستنيرة والتي تدل على غزارة محبتهم وشبعهم بكلمة الله
،، البقية غداً ،، بمشيئة الرب