الإعتراف أمام الكاهن
وهذا تتميماً لكلام السيد المسيح للتلاميذ: "كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطاً فِى السَّمَاءِ وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِى السَّمَاءِ" (مت 18:18) ذلك لأن الرب بعد قيامته المجيدة، قال لتلاميذه: "مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ" (يو 23:20) وفى الإعتراف، يأخذ التائب - كما علمنا قداسة البابا شنوده الثالث - حِلاً وحَلاً... الحل من الخطايا، والحل للمشكلات الروحية التى تعوق نمونا الروحى. والإعتراف ضرورة كتابية وعملية إذ يجتاح الإنسان إلى خبرة أكبر تقوده وترشده، وضرورة نفسية ففيها تستريح النفس المجهدة من توترات السقوط والضغوط والمشاكل. ذلك كله بفعل روح الله القدوس العامل فى سر التوبة والإعتراف، والقائد لكل من الأب الكاهن والإنسان المعترف.
التوبة - إذن - هى الهدف الأول من الخدمة، لأن الرب قد قال: "إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ" (لو 5،3:13). أن النداء الأساسى للخادم، وهو نفس ندار المعمدان: "تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ" (مت 2:3)، وهو نفس
ما نادى به بعد ذلك رب المجد، موصياً تلاميذه قائلاً: "وَفِيمَا أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ اكْرِزُوا قَائِلِينَ: إِنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ" (مت 7:10).
ملامح هامة للتوبة
1- سريعة : "أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا" (رو 11:13).
- "فَاللَّهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِى كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا مُتَغَاضِياً عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ" (أع 30:17).
- "الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ, فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ كم" (عب 7:3، 7:4). "هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُول هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ" (2كو 2:6).
أن خطورة تأجيل التوبة تأتى من التالى: من يضمن عمره، حتى يؤجل توبته إلى الغد؟! القيود الحريرية للخطية، ستتحول مع الوقت إلى قيود حديدية، تصعب معها التوبة، وتتطلب جهاد أكبر... أن تأجيل التوبة يعطى فرصة لأصدقاء السوء أن يسحبونا إلى الخلف، ويورطونا فى نوعيات وكميات من الخطايا، أكثر مما كان. أن التائب الصادق، يجب أن ينطلق بتوبة كالصاروخ حامل سفينة الفضاء، الذى يجب أن يمزق عنان السماء بسرعة معينة، حتى يفلت من الجاذبية الأرضية.
2- حاسمة : فالتائب المتردد "فَلاَ يَظُنَّ أَنَّهُ يَنَالُ شَيْئاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ" (يع 7:1)، "رَجُلٌ ذُو رَأْيَيْنِ هُوَ مُتَقَلْقِلٌ فِى جَمِيعِ طُرُقِهِ" (يع 8:1)... ومن المهم أن يحسن الإنسان أموره، بعد أن يحسب حساب النفقة. إن الحسم ينتج من الإقتناع... فإذا ما أقتنع الإنسان بخطورة الخطيئة، وإمكانيات الدمار الهائل الذى تحدثه فى الكيان الإنسانى، سوف يسرع بالتوبة دون تردد. من هنا نقول أن التوبة العقلانية أكثر ثباتاً من التوبة العاطفية. توبة الحسابات أثبت وأعمق من توبة الإنفعالات. توبة الإقتناع الواعى أقوى من توبة المشاعر الجياشة.. نعم.. لابد من عاطفة ومشاعر نحو الرب.. لكم المشاعر دون إقتناع، لا تثبت أمام عواصف الشيطان.
3- شاملة : فالتوبة السليمة يجب أن تشمل كل جوانب النفس، وزوايا الحياة... أنها توبة الفكر، عن كل إنحراف ذهنى. وتوبة الحواس عن كل استخدام خاطئ. وتوبة القلب، عن كل مشاعر سلبية. وتوبة الإرادة، عن كل نية غير سليمة أو إتجاه غير بنّاء.
وتوبة الأعمال، عن كل تصرف سلبى، أو سلوك لا يمجد الله.
وتوبة الخطوات، إذ تلتزم بطريق الملكوت.
4- مستمرة : فالتوبة فى المفهوم الأرثوذكسى والكتابى - هى توبة مستمرة طول العمر.. وهذا واضح من غسل الرب لأرجل تلاميذه، دون تكرار أن نغسلها.. وما أحلى أن يحاسب الإنسان نفسه بعد كل سقطة، ويقوم!! ولكن أحلى من ذلك، أنه يحاسب الإنسان نفسه قبل أى سقطة، فينتصر بنعمة الله!!
أن التائب الحقيقى يتوب كل يوم بل كل لحظة راجعاً بقلبه إلى الله على الدوام.. أنه فى حركة دائبة بين الترابيات والسمائيات.. كلما جذبه العالم أو الجسد أو إبليس إلى أسفل..
أسرع منتفضاً ومنطلقاً إلى أعلى. التوبة تجديد ذهنى مستمر.. ومانيا دائمة.. التوبة قيامة أولى.. وحياة متجددة.. تمهدنا للقيامة الثانية وتنقذنا من الموت الثانى.
5- مثمرة : "فَاصْنَعُوا أَثْمَاراً تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ" (مت 8:3)... فالمسيحية لا تكتفى بالشق السلبى فى التوبة، أى الخلاص من السلبيات، بل تتجه بنا إلى الشق
الإيجابى، أن نصنع أعمالاً مقدسة، ونطرح ثمار. لائقة لقد أثمرت السامرية بتوبتها قداسة شخصية وخدمة جهارية.. وأثمر زكا بتوبته عطاء سخياً، وتعويضاً مناسباً لمن ظلمهم... وأثمرت المجدلية حباً، وبقدر ما أحبت الخطيئة، أحبت الرب، محبة نادرة وقوية.