إن الشيطان لا يُحارِب الناس بالخطية مكشوفة وواضحة إلاَّ للمستهترين. أمَّا الذين يريدون أن يعيشوا في خوف اللَّه فإن الشيطان إذا حاربهم، كثيراً ما يأتيهم بالخطية في زي متنكِّرة في زي فضيلة، حتى لا يتنبَّهوا لها. وسنضرب أمثلة لأمثال هذه الخطايا.
«« فمثلاً تحت اسم الحكمة، كثير من الخطايا تختبئ. فقد يقع الإنسان في التَّملُّق وفي الجُبُن وفي الرياء. ويُسمِّي هذه حكمة لكي يكسب محبة الرؤساء. أو قد يقع في مجاراة الشر، والسير في التيار العام الخاطئ. ويُسمِّي هذه حكمة لكي يستطيع أن يعيش مع الناس بلا شذوذ. وأحياناً يستخدم الشخص الكذب والخديعة واللف والدوران. ويُسمِّي هذه حكمة لأنها أقصر الطُّرُق التي توصّله إلى غرضه أو تحفظه في أمان. وكأن الوصولية أيضاً حكمة!
وهنا يكون قد أخطأ في مفهوم الحكمة. لأن الشر ليس حكمة. ولأنه ليس من الحكمة أن يخسر الإنسان مصيره الأبدي من أجل أي غرض أرضي زائل. إن الحكمة التي تصبح لوناً من المكر والدَّهاء والحيلة، ليست هى حكمة روحية.
كم يحتاج أمثال هؤلاء " الحكماء " أن يتوبوا عن حكمتهم. ولكن من الصعب أن يتوبوا لأنهم لا يرون أن ما يفعلونه خطيئة. بل يقنعون أنفسهم أن تصرفاتهم تدل على ذكاء وحُسن تصرُّف! وهل من المعقول أن يتوب الإنسان عن الذكاء وحُسن التَّصرُّف؟! كلا. بل للأسف أن كثيرين يقصدون هؤلاء ليعلموهم كيفية الوصول، ويصبحون مرشدين إلى طُرق خاطئة. وقد يفتخرون بحكمتهم هذه، وكيف أنهم استطاعوا أن يستخدموا العقل للوصول إلى الغرض.
مثال ذلك التاجر الذي يفتخر بأنه إستطاع أن يلعب بالسوق، ويكذب ويخدع ويكسب. وأيضاً الموظف الذي يفتخر بأنه طوى رئيسه بأسباب مُلفَّقة عرضها عليه، فإن طلت عليه الحيلة وصدَّقه! وكذلك الذي يفتخر بأنه يستطيع أن يُمثِّل أي دور على أي أحد، ويكسب الموقف بتمثيله المُتقن! أو كالشاب الذي يفتخر بأنه يستطيع أن يُسقِط أيَّة فتاة مهما كانت مُتديِّنة، بحيله وحكمته!!
لا يمكن لأحد من هؤلاء أن يتوب، لأنه يفتخر بأخطائه، ويُغطِّيها بِاسم الحكمة والحيلة. يُذكِّرني هذا الأمر بالشياطين التي تفتخر بإسقاطها لأحد من القديسين إذا إستطاعت.
«« هناك أيضاً خطايا تختبئ تحت اسم الحرية. فالشباب الذي يحيا في حياة العبث واللهو، يُسمِّي تصرفاته بالحرية. وبعض الصُّحف التي تُشهِّر بالآخرين وبسُمعتهم، تطلق على هذا الأمر حرية النشر. وجماعة الوجوديين في كل أخطائهم يتعلَّلون بِاسم الحرية والشعور بالكيان الشخصي أي الشعور بوجودهم! وتحت هذا الاسم يقترفون كل أنواع الإباحية والإعتداء على حريات الآخرين. وصدق مَن قال: " كم من جرائم اقترفت بِاسمِك أيتها الحرية! "، والذين يخرجون عن التقاليد المتبعة والعُرف المعروف، وينشرون بعض البِدَع التي لمَّا يألفها الناس. يُسمِّون هذا تجديداً! وإن قاومهم المتمسِّكون بالتقاليد والعُرف، يقولون: هل تحجرون على تفكيرنا؟! لاشكَّ أن لنا الحرية أن نُفكِّر كما نشاء! وأيضاً أن ننشر أفكارنا هذه وسط الآخرين.
وما أكثر التسميات التي تختبئ حولها الكثير من الأخطاء. فتحت اسم الدُّعابة والمُزاح مثلاً تستتر خطايا كثيرة: يتهكَّم إنسان على آخر ويجرح شعوره، ويتخذه مجالاً للضحك فيهزأ به الآخرون، غير مُبالٍ بوقع كل هذا عليه ... وإن لُمته، يقول: إن هذا مُجرَّد مُزاح ودالة وعشم! وهكذا يُسمِّي عدم احترامه لغيره مُزاحاً ودالة! ... وتحت اسم المُزاح أيضاً قد يكذب، ويُسميه كذباً أبيض أو دُعابة؟ وكل أنواع الهزل غير اللائق يختفي تحت اسم المُزاح والدُّعابة... وتدخل كلها تحت اسم خفَّة الدَّم واللُطف وخفَّة الروح! وتسأل: أليس لهذا المُزاح حدود؟! فلا تجد جواباً.
وأيضاً قسوة الأب على أبنائه تختفي تحت اسم الحزم والتأديب. ويجد هذا الأب القاسي مفهوماً جديداً للتربية يختبئ وراءه. وقد يقتل أب ابنته الخاطئة. ولا يسمي هذا الأمر جريمة قتل، وإنما يُسمِّيه غسلاً ومحواً للعار ودِفاعاً عن الشرف. كل ذلك لتبرير الخطأ.
وبالمثل فإن كثيراً من ألوان الغضب والنرفزة قد تختفي وراء اسم الدِّفاع عن الحق، أو الدِّفاع عن النظام، أو الدِّفاع عن الكرامة. وكذلك اضطهاد الشخص لِمَن يخالفه في الرأي أو العقيدة يُسميه الغيرة المقدسة. وما أكثر ألوان الإباحية والخطأ التي قد يُسميها البعض أنها ألوان من الفن! والتدخين الذي يضيع الصحة، ويستعبد الإرادة، وتنفق فيه الأموال، يأخذ عند المدخنين اسم المتعة وإراحة النفس لكي لا يتعبهم ضميرهم كثيراً.
«« أمَّا أنت يا أخي القارئ، فاهرب من التسميات الخاطئة التي يحاول البعض أن يبرِّروا بها أخطاءهم أو يخفوها. ولتكن لك مبادؤك الثابتة الراسخة التي لا تتزعزع بمسميات جديدة ومفاهيم غير روحية. واحتفظ بنقاوتك. ولا تسمح أن تسمي خطيئتك بِاسم آخر يريح ضميرك إراحة وقتية زائفة. بينما تشعر في أعماقك أن التسمية الجديدة هى لون من الهروب من المسئولية. لأنك إن سميت خطيئتك بِاسم آخر، فلن تتوب. أمَّا سبيل التوبة فهو أن تكون صريحاً مع نفسك. لا تشفق عليها شفقة زائفة. واعرف أن الذين يسمون أخطاءهم بأسماء فضيلة، فإنهم قد يدافعون عن سلوكهم الخاطئ، وبالتالي يستمرون فيه. وقد يصبح عادة لهم أو طبعاً لهم أو منهجاً ثابتاً في حياتهم لا يغيرونه. ذلك لأنهم لا يسمون الخطية باسمها الحقيقي. إنما بالتسمية الجديدة التي تغطيها، لا يعترفون بالخطأ. بل قد تهتز المبادئ والقيم عندهم. ولنحترص إذن من الشيطان الذي في حيله الشريرة، يعمل على تغيير القيم من جذورها. ويدخل الناس في حرب مسميات، أو حرب مفاهيم. وكلها خدعة.