ما أكثر الخطايا والأخطاء التي يقع فيها اللسان، ويبدو من الصعب حصرها.
منها خطايا الكبرياء والتعالي: كأن يستخدم الشخص كلمة "أنا" كثيراً في مجال الافتخار بالنفس. فيقول أنا قلت، أنا فعلت، وذلك بأسلوب افتخار يتطلَّب فيه مديح السامع. أو يمتدح هو نفسه إن لم يمدحه أحد. وفي مجال الافتخار بالذات يحاول أن يُبرِّر نفسه في كل ما يُنسب إليه من أخطاء، وبطريقة غير مقبولة ... وفي الحوار مع غيره، لا مانع من أن يُقاطعه في الحديث، لكي يتكلَّم هو. إلى جوار أسلوب التشبُّث بالرأي والمقاوحة.
«« ومن أخطاء اللسان أيضاً خطايا الكذب: ومنها الكذب الصريح، وأيضاً المبالغة والتي تدخل أحياناً في مجال الكذب. ومنها مثلاً أن يقول: إن أهل البلد الفلانية كلهم بخلاء، بينما يوجد فيها الكثير من رجال الكرم! وعموماً كلمة كل أو كلمة جميع بالنسبة إلى طباع الناس غالباً ما يشملها الخطأ الجسيم.
ومن أخطاء اللسان في هذا المجال أنصاف الحقائق التي لا تُعبِّر عن الحقيقة خالصة. من أجل ذلك فإن الذي يشهد أمام القضاء، يقول قبل أن يُدلي بشهادته: " أشهد أن أقول الحق كل الحق، ولا شيء غير الحق ". وفي مجال الكذب نذكر أيضاً العبارات التي تحوي الغِش أو الخداع أو التضليل والتلفيق، وشهادة الزور، والمغالطة، والمكر.
«« كذلك توجد أخطاء للسان مصدرها الكراهية أو عدم المحبة: مثل كلام الشتائم بكل أنواعه، والسب واللعن، أو على الأقل الحكم بإدانة الآخرين وتحقيرهم. وما يصحب ذلك أحياناً من النرفزة وعلو الصوت. وكذلك التهكُّم على الآخرين، ومَسك سيرتهم، والغيبة، والنميمة، والدسيسة.
«« ومن أخطاء اللسان أيضاً، ألفاظ التهديد والتعيير وإفشاء أسرار الناس، والتشهير بهم، وإلقاء المسئولية عليهم ظلماً، مع الهروب من المسئولية الشخصية ... وكذلك نشر الشائعات بما يسيئ إلى الغير.
«« ومن أخطاء اللسان أيضاً، خطايا القسوة: ومنها الكلام الجارح الموجع، الذي لا يُبالي قائله فيه بمشاعر مَن يتحدث إليهم أو ما يتحدَّث عنهم. وكذلك ألفاظ التخويف والتهديد وما إلى ذلك ... وقد يحدث ذلك في مجال الإدارة أحياناً، أو في مجال الأسرة.
«« ومن أخطاء اللسان أيضاً، الكلام غير العفيف: مثل القصص البطالة، والفكاهات الماجنة، والأغاني العابثة، والعبارات البوليسية، وكل كلام الإغراء، وبخاصة الأسلوب المكشوف، والأسلوف غير المُهذَّب، أو الوقح، وكل ما تستحي الأذن المحتشمة من سماعه.
«« وهناك أيضاً أخطاء للسان مصدرها صغر النفس. وهذه قد تحدث أحياناً من الصغار نحو الكبار: ومنها ألفاظ التملُّق والرِّياء، والمديح الزائف، والنفاق، والرياء. وقد يحدث ذلك في مجاراة المخطئين في أخطائهم، والسلوك بلسانين، أو الاتجاه مع كل ريح. ونذكر في هذا المجال أيضاً كثرة الشكوى والتذمر، وعبارات الخوف واليأس ...
«« كذلك توجد أخطاء للسان في الفكر الديني: مثل كلام التجديف، ونشر الشكوك في الدين والعقيدة، ونشر البِدَع وإعثار الآخرين. وأيضاً استخدام اسم اللَّه باطلاً بل أكثر من هذا إستخدام اسم اللَّه حينما يكون المُتكلِّم كاذباً. ومن أخطاء اللسان دينياً ما يذكره من خرافات يحاول أن يؤمن الناس بها.
«« ومن أخطاء اللسان أيضاً ما يرويه الإنسان عن جهل. وربما يحاول أن يقنع الغير بما يجهله. وقد يحدث ذلك عندما يدخل شخص في حوار حول القنبلة الذرية، أو القنبلة الهيدروجينية، وبعض الأمور العالية جداً في مجال العلم ... وفي كل ذلك يريد أن يظهر أنه يعرف، بينما هو لا يعرف شيئاًً!!
«« ونود في هذا المجال ان نُقدِّم بعض النصائح:
أول نصيحة هامة هى الإبطاء في الكلام. فلا تسرع إطلاقاً قي كلامك، وبخاصة لو كنت في حالة إنفعال أو غضب. فربما لا تستطيع أن تضبط نفسك، ولا أن تدقق في اختيار الألفاظ المناسبة، فتكون عرضة للخطأ.
وإن أغضبك أحد لا تسرع بالرد. إنما حاول أن تهدأ نفسك أولاً. ولا تحاول أن تجعل الإنفعال هو الذي يُجيب بدلاً من العقل. بينما الإنفعال هو خطر عليك وعلى سامعك. وربما لا تستطيع أن تُعالج نتائجه.
وإن كنت رئيساً لغيرك، أو أباً، أو قائداً في مجال مُعيَّن، فلا تعطِ نفسك الحق في الكلام بلا ضابط، أو بلا مراعاة لمشاعر غيرك. ذلك لأن الكبار، كثيراً ما يعطون أنفسهم حقوقاً أزيد مِمَّا يجب، لا يراعون فيها إحساسات مَن هم أصغر منهم سناً أو مركزاً، مدعين أن لهم الحق في أن يوبِّخوا وأن يؤدِّبوا، ناسين أن كل هذا ينبغي أن يكون في لياقة وحسب ترتيب. إنه أمر محزن، أن يفقد الكبار أبديتهم في توبيخ مَن هم أصغر منهم!!
«« قبل أن تلفظ أية كلمة، حاول أن تستعرض في فكرك ما هى ردود الفعل لهذه الكلمة عند غيرك، وما هى ردود الفعل عند غيرك؟ لذلك ما أجمل قول داود النبي في المزمور: " ضع يارب حافظاً لفمي، باباً حصيناً لشفتي ". وأيضاً ما أعمق ما قاله أحد القديسين: " كثيراً ما تكلَّمت فندمت. أمَّا عن سكوتي فما ندمت قَط "... لهذا فإن بعض الآباء الكبار وجدوا أحياناً أن الصمت هو علاج نافع لأخطاء اللسان. لهذا حاول أن تتكلَّم حينما تكون هناك ضرورة للكلام، حسب حاجة الموقف. وإذا تكلَّمت، فليكن ذلك بصوت هادئ رصين، تحتفظ فيه بآداب الحديث. وليتني أستطيع في مناسبة أخرى أن أُحدِّثك بإسهاب عن آداب الحديث.
«« ونصيحتي لك أيضاً: لا تكن شغوفاً بتعليم غيرك، أو بالحديث عن معلوماتك الواسعة. كذلك حاول أن تتجنَّب التحدُّث في أي موضوع خارج دائرة إختصاصاتك. ولا تعمل على إساءة مشاعر غيرك بالكلام.
وأخيراً حاول أن تأخذ درساً من كل أخطائك السابقة في الكلام، رغبة في تفاديها.
ولتكن كل كلمة من كلامك بميزان دقيق. وليكن كلامك للمنفعة.