اللسان جهاز عند الإنسان، أو طاقة من طاقات الإنسان، يمكن أن يُستخدَم في الخير، كما يمكن أن يُستخدَم في الشَّرِّ. به يبارك، وبه يلعن. ولذلك حسناً قيل:" بكلامك تتبرَّر، وبكلامك تُدان ". وكما يكافئ اللَّه الإنسان عن كل كلمة طيبة يقولها. فكذلك كل كلمة بطَّالة يتكلَّم بها الناس، سوف يعطون عنها حساباً في يوم الدِّين.
والمقصود بالكلمة البطَّالة، ليس فقط الكلمة الشريرة، إنما أيضاً الكلمة التي بلا منفعة. ذلك لأن اللَّه لم يخلق اللسان عبثاً، إنما خلقه لفائدة. إن لم يؤدها يكون طاقة مُعطَّلة. فليس كل فضل اللسان أنه لا يخطئ، بل لابد أن يكون له عمل إيجابي. لأنه هل من المعقول أن توجد آلة، كل فائدتها أنها لا تضر أحداً؟! أم لابد أن يكون لها إنتاج مفيد؟ هكذا اللسان...
لذلك فالثرثرة هى إحدى خطايا اللسان. لأنها استخدام للسان بطريقة خاطئة، وربما بطريقة مزعجة. ولأنها أيضاً اضاعة لوقت السامع، ولوقت المُتكلِّم أيضاً.
«« إن خطايا اللسان مصدرها القلب، لأنه من فيض القلب يتكلَّم اللسان. ومع ذلك قد يغضب إنسان، ويتلفَّظ أثناء غضبه بألفاظ شديدة غير لائقة. ومع ذلك قد يعتذر عنه أصدقاؤه ويقولون: إنه على الرغم من أخطائه فإن قلبه أبيض!! وهذا خطأ واضح لأن القلب الأبيض تكون ألفاظه بيضاء مثله. فالإنسان الصالح، من الفضائل الموجودة في قلبه يتكلَّم بالصالحات. أمَّا الإنسان الشرير، فمن الشر الموجود في قلبه تخرج الألفاظ الشريرة. وهكذا فإنه من نوع الثمرة تعرف الشجرة.
إذن الألفاظ الخاطئة، تدل على وجود نفس الأخطاء داخل القلب. إذن فخطية اللسان هى خطية مزدوجة، أي خطية قلب وخطية لسان. فالألفاظ القاسية تدل على قلبٍ قاسٍ. والألفاظ المتكبِّرة تدل على قلب مُتكبِّر. والألفاظ المستهترة تدل على قلب مستهتر. والألفاظ الحاقدة تدل على قلب حاقد ... وهكذا في باقي الألفاظ.
فالذي يريد أن يصلح ألفاظه، عليه أن يصلح قلبه أولاً. وإلاَّ فإنه سوف يقع في خطية أخرى هى الرياء. أي أن يقول ألفاظاً بلسانه هى عكس المشاعر التي في قلبه.
يمكننا إذن أن نقول أن خطية اللسان هى الخطية الثانية. أمَّا الأولى فقد بدأت في القلب. وقد تكون خطية ثالثة. أي الأولى خطية القلب والثانية خطية الإرادة والثالثة خطية اللسان.
ولنضرب مثلاً بخطية الكذب: يندر أو يستحيل، أن تكون خطية الكذب هى خطية أولى. وإنما في غالبية الحالات أو فيها كلها، تكون خطية ابنة لخطية أم، هى الخطية السابقة لها التي أنتجتها. أو هى نتيجة لخطية أخرى يُراد إخفاؤها، متحدة بخطية الخوف أو خطية الظهور بمظهر بار غير مخطئ. ومن كل تلك الخطايا تتولَّد خطية الكذب.
«« وكذلك فإن خطية النرفزة، هى خطية ثالثة أو رابعة. فالألفاظ الشديدة أو القاسية التي يقولها الإنسان في نرفزته، طبيعي أنها لم تصدر من فراغ. إنما هى قد ولدت من خطايا أخرى: ربما منها محبة الذات وكرامتها أو مصلحتها، مع خطية عدم الاحتمال، وكذلك خطية القسوة، وأيضاً عدم محبة أو احترام الشخص الذي وجهت إليه تلك الألفاظ القاسية. ومن هذه الخطايا المجتمعة تتولَّد خطية الألفاظ القاسية أو الجارحة أثناء النرفزة. وتكون هى الخطية الخامسة في الترتيب.
والذي يريد أن يُعالِج نفسه من الغضب ومن الألفاظ القاسية التي يقولها في غضبه، عليه أن يُعالج قلبه من كل تلك الخطايا السابقة. أمَّا إذا أراد أن يُبرِّر نفسه في غضبه وألفاظه القاسية، لتغطية نفسه، إنما يُشكِّل خطية سادسة في الترتيب هى خطية تبرير الذات. والمفروض في الإنسان الروحي أنه لا يُبرِّر ذاته، إنما يدين ذاته.
وبنفس الوضع إذا فحصنا جميع خطايا اللسان، ستجدها كلها خطايا مركبة. يمكن بتحليل كل منها أن نجد عديداً من الخطايا.
«« ومن خطورة خطية اللسان: أن الكلمة الخاطئة التي تخرج من فمك، لا تستطيع أن تسترجعها! ربما تندم عليها، أو تحاول الاعتذار عنها. ولكن الأمر الذي خرج عن إرادتك، هو أن غيرك قد سمع كلامك، بكل ما يحمل هذا السمع من تأثرات.
وهنا تختلف خطايا اللسان عن خطايا الفكر وخطايا القلب التي هى في داخلك. والتي هى قاصرة عليك وحدك لم تنكشف أمام الآخرين.
«« كذلك من خطورة خطايا اللسان، مدى تأثيرها على مَن يسمعها: فلنفرض مثلاً أنك حقدت على إنسان، وساءت مشاعرك من نحوه، فمازال الأمر داخل قلبك لم يصل إليه. أمَّا إذا انكشفت مشاعرك بألفاظ نطقت بها، تكون قد أساءت إليه، وربما لا تستطيع معالجة الأمر. ذلك لأن الحقد الذي كان في قلبك، قد تطوَّر إلى علاقة خارجية مع غيرك ... وربما كلام الإساءة الذي لفظت به يكون قد سمعه آخرون أيضاً، وحينئذ تكون الدائرة قد اتسعت. فقد يتحمَّس الذين سمعوه، وقد تتغيَّر قلوبهم نحوك. عليك إذن أن تضع أمراً هاماً أمامك وهو ردود الفعل لكل ما تلفظ به من كلام.