موضوع: ثقافة الحوار لنيافة الأنبا موسى الأربعاء أبريل 30, 2014 3:13 pm
أولاً: لماذا الحوار ؟
يجب أن نربى أنفسنا وأولادنا على ثقافة الحوار : 1- فالحوار هو لغة السيد المسيح - له المجد - كان يستخدمها مع الأفراد: مثل السامرية، ونيقوديموس، ونثنائيل، ومريم ومرثا.. ومع جماعة التلاميذ.. ومع جموع اليهود، حين تحدث معهم عن الجسد والدم فى (يو 6) أو عن الحرية فى (يو . 2- والحوار هو لغة الحكماء.. فقد قيل عن سقراط أنه حينما رأى أحد التلاميذ لا يحاوره ولا يتحدث إطلاقاً، قال له: "تكلم يا ابنى حتى أراك".. فالحوار يكشف مكامن النفس واحتياجات وتساؤلات ومشكلات الإنسان، كما أنه يصل بالإنسان إلى معرفة الرد والحلول، والاقتناع بذلك، والتنفيذ فى حياته. 3- والحوار أيضاً هو لغة العصر.. إذ تتجمع المعلومات، وتطرح الأفكار للحوار على مستوى جماعات العمل الصغيرة لنصل إلى الرأى السديد... بل أحيانًا تطرح القضايا القومية الهامة على الشعب كله من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ليدور حولها حوار قومى، بغية الوصول إلى رؤيا أوضح للمستقبل، وحلول أفضل لمشاكل الوطن. 4- كذلك فالحوار هو لغة التواصل.. فالحديث من جانب واحد هو "إملاء"
ولا يحدث نوعاً من الاحتكاك والتفاعل. ويجب أن نؤمن أن الرب لا يتكلم فقط من خلال المعلم، لأنه ربما يتكلم من خلال التلميذ. والتواصل يصل الخادم بالمخدوم، ومن خلاله يتعرف الخادم على واقع المخدوم، واحتياجاته، ومشكلاته، ومواهبه، وطاقاته.. كذلك يستطيع الخادم من خلال الحوار الوصول بالمخدوم إلى اكتشاف نفسه، وطريقه، والقرار الصائب الذى يجب أن يتخذه، والحل الأمثل لمشاكله.
ثانياً: أنواع الحوار : الحوار مع الشباب على نوعين: 1- فالحوار الفردى : يكون من خلال العلاقة الشخصية بين الخادم والمخدوم، من خلال الافتقاد والخدمة الفردية.. وهذا الحوار يجب أن لا يكون متسماً بالطغيان (أستاذ وتلميذ)، ولا بالاقتحام (الدخول بأسلوب خشن إلى خصوصيات الشباب)، ولا بالتعلق العاطفى (إذ يستغل الخادم الطاقة المختزنة للمخدوم، ويستولى على جزء كبير منها، على حساب محبة المخدوم للمسيح، والكنيسة، والأصدقاء، وبقية الخدام). فهذا النوع من التعلق العاطفى يضر بالخادم والمخدوم معاً، إذ تتصخم ذات الخادم من جراء إلتفاف الشباب حوله، وتموت خصوصية المخدوم وجوهره الفردى، حين يتلاشى فى الخادم، وتمتنع صلته بالرب وبالآخرين.
جلسة الافتقاد ليست سوى جلسة محبة للخادم والمخدوم معاً، عند أقدام المسيح، نعبر فيها عن حب روحى حقيقى للمخدوم نابع من محبة المسيح له، ثم يتجاذب أطراف بعض آيات الإنجيل، ثم ننتهى بإتفاقات محددة يستريح إليها وبها المخدوم.. إنها صداقة حب، تخلو من الدالة والتعلق والارتباط الشخصى وتأليه الذات.. وتتجه نحو اقتراب الخادم والمخدوم معاً، من الرب يسوع مخلص الجميع، ومشبع حياتهم.
2- الحوار الجماعى : فى الفصل أو الاجتماع أو مجموعة العمل، وينبغى أن يتسم بسمات هامة منها:
1- أن يكون حوارًا مهدفًا، بمعنى أن لا يتوه الهدف بينما نطرح الموضوع للتحاور. 2- وأن يكون حوارًا روحياً، فليس الهدف الجدل العقلى الجاف، أو فرد عضلات المعرفة والذات، بل الوصول معاً إلى قناعة مشتركة بأهمية الموضوع المطروح لحياتنا، وبضرورة ممارسته بأسلوب حىّ ومشبع.
3- وأن يكون الحوار منظمًـا، فلا يتحول اللقاء إلـى فوضـى، والكل يتحدث وليس من يسـمع، أو ترتفـع حـدة الانفعـالات، أو يتحـدث أحـد دون اسـتئذان أو يقاطع غيره.. الخ. 4- كـذلك فلابـد أن يكـون الحـوار جماعيًـا، بمعنـى أن تشترك كل المجموعة فيه، فلا يحدث استقطاب بين واحد من الحاضرين وبين المتكلم، فينصرف بقية الحاضرين عن الموضوع.. يجب أن يشارك أكبر عدد بالسؤال، وبالإجابة وبالاقتراح، وبالفكرة، وبالرأى... يجب أن يدخل أكبر عدد ممكن من الحاضرين داخل دائرة الموضوع. 5- والحوار الناجح يجب أن يكون تفاعليًا.. بمعنى أن تتسم المناقشة بالحيوية الهادئة، وليس بمجرد تسجيل أفكار متناثرة غير مترابطة أو متداخلة.. الحوار الحىّ كالكائن الحىّ.. ليس هو مجرد أفكار على أوراق، بل هو تفاعل خلاقّ. 6- ولابد فى النهاية من تجميع ما توصلنا إليه، حتى لا يخرج السامع مشتت الذهن. بل يصل إلى خلاصة تفيده وتبنيه.
ثالثاً: فوائد الحوار : 1- نتعرف على واقع المخدومين ومشكلاتهم واحتياجاتهم. 2- ندرس إمكانية التعامل مع هذا الواقع فعلاً. 3- وحين تظهر المشكلات فى التطبيق، يتم حلها من خلال الحوار. 4- وهكذا تراعى الفروق الفردية بين المخدومين. 5- ونصل إلى قناعة مشتركة خالية من القمع أو السيطرة الفكرية.
وهكذا تنشأ أجيالنا الصاعدة، حية، وحَّرة، ومتفاعلة.
الحوار هو لغة الله، التى أستعملها مع البشر عبر العهدين: العهد القديم والجديد، كما أنها لغة الحكماء إذ قال سقراط لأحد تلاميذه الصامتين: تكلم يا أبنى حتى أراك. فالحوار يكشف مكامن النفـس واحتياجـات وتساؤلات ومشكلات الإنسان. والحوار يهدف إلى تفجير الطاقات الذهنية والروحية والإبداعية فى المخدومين.