من يقبل إلي لا أخرجه خارجًا:
من المعايير التي نضعها للتأكد من مدى صدق التوبة، أن يسأل الشخص ذاته بصدق: هل إذا أُتيحت لي الفرصة من جديد لهذه الخطية فسوف أسقط؟ أم إنني لست متأكدًا؟ أم أنني لن أسقط بنعمة المسيح؟ فالإجابة الأولى تعني أنه لا توجد توبة أصلًا، أما الثانية فتعني أن التوبة ليست كاملة وأما الثالثة فتعني أن التوبة كاملة وصادقة. (حتى لو سقط الشخص بعد ساعات فالمهم مشاعره الآن وهو يقدم التوبة).
أحس القديس إيسيذورس بالصدق في أقوال موسى ونيته، فابتدأ في أن يعظه كثيرًا بما كان يُسلم لجماعة الموعوظين قديمًا قبل اقتبالهم المعمودية، وهم ينتظرونها بشوق كبير، كل ذلك قبله موسى في أسابيع قليلة، لقد كان مثل الأرض العطشى المتشوقة لهذا الزرع والنبع الإلهي، كانت دموعه تروي هذا الزرع المقدس وهكذا زرع الله من خلال فلاح النفوس الجائعة (إيسيذورس) هذه الشجرة المقدسة التي لموسى الأسود.
كانت توبته هي المحراث الذي قلب الأرض وطرد الأحجار والأجسام الصلبة الساكنة لسنين طوال في قلبه، حيث ذُعر من حجمها وشكلها وخطورتها، مثل الورم المستأصل والحصوات المستخرجة من جسم مريض، فاشمأز منها، وإن كان قد شعر بالراحة بالتخلص منها، هذا وقد كان كرهه لماضيه شديدًا، مما دفعه بقوة في توبته ومسيرته.
St-Takla.org Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت
عوامل الدفع وعوامل الجذب:
الإنسان العائد إلى الله تعوزه مجموعتان من العوامل، عوامل دفع وعوامل جذب، أما عوامل الدفع فقد تكون تبكيت من شخص ما، أو الخوف من الدينونة أو طاعة مرشد في العودة إلى الله، أو مرارة الخطية، هذه وأمثالها عوامل دفع تدفع الإنسان وتصل به إلى أول الطريق. ليبدأ عندئذ دور المرشدين الروحيين، فيحب الطريق وصاحب الطريق بسببهم، ومثلما حدث مع القديس بولا البسيط الذي دفعته خيانة زوجته إلى البرية الشرقية حيث التقطه القديس أنطونيوس ليجعل منه واحدًا من أشهر آباء الرهبنة الأقباط، هو ذاته الذي حدث مع القديس موسى الذي أمسكه القديس إيسيذورس من يده ليصل إلى الملكوت..
وفي مخطوط تفسير الباراديسوس (تعليق على ما ورد في بستان الرهبان) يرد ما يأتي: قال الإخوة: بكم سبب (الدوافع) تدعو النعمة الإنسان إلى تدبير الرهبنة؟ قال الشيخ: أسباب كثيرة ومختلفة، فمنهم من القراءة مثل الأنبا أنطونيوس وسمعان العمودي، ومنهم من إيقاظ السريرة مثل الأنبا موسى الأسود، ومنهم من سماع الوعظ مثل أنبا سرابيون وأنبا بيسيرين وأمثالهما الذين ردوا كثيرين من اللصوص والزواني بتعليمهم، ومنهم بالمخاوف والأمراض والشدائد مثل أنبا وغريس وفروفيمطس، ومنهم من يدعوه الله من السماء على يد الملائكة كما دعى أرسانيوس. هذا مع بقية الأسباب المختلفة.
بعد أن وعظه القديس أسكنه في قلاية ليصلي ويتأمل ويقرر ما يجب عليه عمله، ثم سلمه لمعلمه وهو القديس مكاريوس الكبير الذي تكلم معه قبل أن يعيده من جديد إلى الأنبا إيسيذورس لكي يعمده ويكمل معه ما قد بدأه.. هناك في ذلك المعمل الروحي (القلاية) قرر موسى باكيًا التخلص من حياة الشر والمجون والتخلي عن اللصوصية.
لم يكن موسى شريرًا بطبعه كما قلت سابقًا، ولكنه انحرف ولاشك أن معاناته الشديدة في بيت سيده، جعلته يصبح عبئًا على ذلك السيد والذي رأى في طرده مكسبًا كبيرًا!!
ولكن طرده من جهة أخرى كان بمثابة تكريس لحياة الجريمة والشر. ومثلما أعثره البعض ودفعه إلى حياة الخطية، اجتذبه البعض الآخر إلى طريق الملكوت، فإن مجرد سيرة رهبان أتقياء في شيهيت يمكن أن تحمل إنسانا على التوبة، إنها نوع من الكرازة بالسيرة.. ومثلها الكرازة بالأقوال، لقد قرر موسى أن يحيا كأولئك الرهبان الذين يحيون بلا همٍّ..