"الغالب"
من بين ألقاب السيد المسيح التي استخدمت كثيرًا - لا سيما في العصر الرسولي - لقب: "الغالب" وكانت تستخدم مقرونة بالصليب والقيامة، غير أنها ارتبطت بالآلام والصلب أكثر مما ارتبطت بالقيامة، فبينما تظهر آثار الجروح في جسد المسيح القائم، ُيكتب على أيقونة الصلب مع ما يبدو فيها من آلام وموت: "الغالب" سواء بالقبطية "بي اتشرو = PI <ro< span="">" أو باليونانية "ني كا = NI KA ". ذلك لأن المسيح: "بالموت داس الموت". بل صار الصليب هو سلاح الغلبة، حيث نرتل في أعياد الصليب: "السلام للصليب سلاح الغلبة "بي هوبلن إنتى بي اتشرو".</ro<>
لقد غلب المسيح الموت لحسابنا، وعندما صرّح: "ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يو 16: 33) كان في الواقع يطمئننا أنه قد غلبه لحسابنا، تاركاً لنا هذه الغلبة رصيدًا نسحب منه كل يوم فيزداد، كما ورد عنه في سفر الرؤيا أنه: "وخرج غالبًا ولكي يغلب" (رؤ 6 : 2). وهو الغالب "ليفتح السفر ويفك ختومه السبعة" (رؤ 5 : 5) وغالب الشيطان في التجربة، والغالب الخطية: "من منكم يبكتني على خطية" (يو 8: 46) والغالب الشياطين منتهرا إياهم ألا ينطقوا، والمتسلط على الطبيعة "الرياح والبحر جميعاً تطيعه" (مت 8 : 27) وهو الغالب حين ارتعد منه حراس الجحيم عندما نزل ليخلص المأسورين، والغالب حين دخل إلى مجده حيث اهتزت الأبواب الدهرية قدامه، إنه "الرب العزيز .. والقوي الجبار.. القاهر في الحروب، وهو العريس الخارج من خدره مثل الجبار المسرع متهللاّ في طريقه منتصرا" (مز 19 : 5)
وفي الإحتفال الليتورجي الذي تقيمه الكنيسة للمسيح في مناسبة قيامته منتصرا على الموت تنظم له احتفالاً يسمى "إحتفال الغالب" ويُسمى إصطلاحاً "دورة القيامة" وهو احتفال عبر عنه القديس بولس بـ "موكب نصرته" (2 كو 2: 14) وهو صورة مستعارة من احتفالات النصر الرومانية، يستقبل فيها القائد المنتصر محمولاً على الأعناق يتقدّمه العلم الروماني، الغنائم ثمّ الأسرى، ثم الملك المأسور يسير منكس الرأس (الموت) بينما يصطف الشعب على الجانبين هاتفا بانتصاره، إنه موقف الغالب "إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارا ظافرا بهم فيه" (كو 2 : 15). هكذا في دورة القيامة يتقدم أيقونة المسيح أيقونة الصلب في إشارة إلى أنه غلب الموت، ويرتل الشعب مع الشمامسة "بالموت داس الموت" بينما يقدم الكهنة البخور في خشوع ليؤكدوا على سلطانه وانه يحق له السجود.
والله لم ينتصر لنا فقط، وإنما أعطانا أن ننتصر بدمه (أي الصليب) هكذا صرخ صوت من السماء: ".. وهم غلبوه بدم الخروف ..." (رؤ 12 : 11) بل ونملك معه أيضا: "لأن كل من ُولد من الله يغلب العالم وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم إيماننا" (1يو 5 : 4) وهكذا وعد الله الأمناء: "من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله .. من يغلب فلا يؤذيه الموت الثاني .. من يغلب فسأعطيه أن يأكل من المن المخفى وأعطيه حصاة بيضاء وعلى الحصاة إسم جديد ... من يغلب فسأعطيه سلطاناً على الأمم .. من يغلب فذلك سيلبس ثياباً بيضاً ولن أمحو إسمه من سفر الحياة .. من يغلب فسأجعله عمودًا في هيكل إلهي .. من يغلب فساعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيضًا وجلست مع أبي في عرشه" ... من يغلب يرث كل شيء وأكون له إلها وهو يكون لي إبناً" (رؤ 21 : 7).
من هنا يعد الصليب أعظم سلاح يغلب الشيطان، فعندما نرشمه تتبدد الخيالات الشيطانية، وتهدأ النفس المضطربة، والسبب في ذلك هو تذكير الشيطان بالموقعة التي ُمني فيها بهزيمة ساحقة أي موقعة الجلجثة والصليب، لذلك نرفع الصليب في وجه العدو كأعظم سلاح، فهو "قوة الله" (1 كو 1: 18). وعندما نرشمه على جباهنا ومن حولنا فنحن إنما نلتحف بالقوة ونتسلح بها.
ومما يلفت الإنتباه أن شكل أصابع اليد عند رشم الصليب قديماً، كانت تجعل الإبهام عند العقلة العاشرة حيث حرف اليوطا اليوناني (I) والذي يشير إلى يسوع (Icouc) بينما صابعي "السبابة والوسطى" يكونان في وضع حرف ني اليونانية (V) اختصار (ني كا) أي الغالب، ومنها جاءت علامة الـ (V ) الإنجليزية الشهيرة والتي تعني النصر، والشائعة الاستخدام في جميع أنحاء العالم، ومنها جاء الاسم Victor (فيكتور= بقطر) ومعناه المنتصر.
العجيب أن هذا الغالب والذي لم ينهزم لأحد حتى من الموت وهو "آخر عدو يبطل" والذي ظن لأول وهلة أنه هزم المصلوب، غلب الموت وظفر به، إذ: "لم يكن ممكنًا أن ُيمسك منه" (اع 2 : 24). هذا الجبار الغالب: غلب فقط من تحننه، وهو القائل للنفس المنسكبة والمنسحقة: "حولي عني عينيك فإنهما قد غلبتاني" (نش 6 : 5).
"السلام لك أيها الصليب فرح المسيحيين الغالب ضد المعاندين وثباتنا نحن المؤمنين"
(ذكصولوجية الصليب)