كانت أسفاره كثيرة، يتكلم ويسمع. يحضر ويحاضر. يناقش ويجادل. وعندما يخلو إلى ذاته يفكر ويفكر ولا يكف حتى ُيجهَد ويتوقف عقله عن التفكير، وعندئذ يخلد إلى النوم. وفي إحدى أسفاره وبعد أن تكلم وتباحث كثيرا طوال اليوم عاد إلى غرفته وبصحبته تلميذه، والذي ما أن أراح رأسه على الوسادة حتى غطّ في نوم عميق، بينما استمر المعلم مستلقياً على ظهره ناظراً لأعلى وقد أبى النوم أن يأتيه، وبين آن وآخر ينظر إلى تلميذه فيجده مستغرقاً في النوم فيشتدّ غيظه كثيراً، ولما أبى عليه النوم تماما قام من مكانه وأيقظ التلميذ منتهرا إياه متعجباً كيف راح في نوم عميق. وهنا أدرك التلميذ على الفور الأمر، فقد كان الفيلسوف كعادته دائم التفكير في الحياة وماهيتها وفلسفتها ومعناها، وكذلك السبيل إلى حل معضلاتها. فقال لمعلمه هل تسمح لي ببعض الأسئلة ؟ فأشار بالإيجاب، لا سيّما وأنه قلق لا يستطيع النوم.
- هل ُتؤمن أن الله كان يدير الكون قبل أن ُتولد ؟
- نعم.
- وهل ُتؤمن أنه قادر أن يديره بعد أن تموت ؟
- بالطبع.
فقال التلميذ:
إذن دعه يديره في هذه الليلة أيضاً !!
أجاب الفيلسوف: صدقت، وحينئذ غطّ في نوم عميق.