هكذا نلاحظ كيف أكد الآباء على ضرورة الاهتمام بخطايا الإنسان نفسه لا خطايا الآخرين، ربما لأن أكثر الخطايا انتشارًا هي خطايا الإدانة، وهي خدعة شيطانية لا شك، بها ينشغل الإنسان عن خلاصه. محاولًا إقناع نفسه أنه ليس الخاطئ الوحيد فالكل خطاة ولعله أفضل من كثيرين! وهكذا لخطية الإدانة شقان، الأول: اقتراف خطية إدانة الآخرين، والثاني: ترك الخطايا الشخصية لتتراكم دون تنقيتها والتخلص منها.
يقول القديس موسى في هذا الإطار أيضًا:
"لا تتكلم بشرٍ على أحد، بل بالحري ’قل الله يعرف كل إنسان، ولا’تسر بالحديث الشرير، ولا تسلم إرادتك لمن يدين قريبك، هذا معنى قول الرب "لا تدينوا فلا تدانوا" ولا تجعل في قلبك عداوة لأي إنسان، ولا تبغض من يعادى قريبه ولا تدن عداوته ولا تغضب على أخ يغضب على قريبه، لأن هذا هو السلام الحقيقي أن تشبع نفسك بهذا الفكر: الضيق يستمر لوقت قصير، في حين أن السلام أبدى بنعمة الله الكلمة".
هنا تدرج رائع في تعليم القديس عن عدم الإدانة فهو يرى أنه خطية، ثم أنه يشغلنا عن عيوبنا نحن والتي يجب أن تكون شغلنا الشاغل، ثم يوصي بألاّ ندين الذي يدين!! وألا نغضب ممن يغضب من قريبه!! والخلاصة ألاّ ندين بشكل من الأشكال...
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
كان في الإسقيط شيخ أُصيب بمرضٍ شديد، وكان الإخوة يخدمونه ولكنه لم يجد راحةً في خدمتهم، فقال الشيخ: ”سأذهب إلى مصر (القاهرة الآن) حتى لا أخطئ إلى الأخوة“، فقال له أنبا موسى: ”لا تذهب لأنك ستسقط في الزنى“. فقال الشيخ وهو متكدِّر: ”ها جسدي ميت وأنت تقول لي هذا“؟
ثم ذهب ليُعالَج عند أقربائه، ولما علم الناس أتوا إليه بهدايا كثيرة وأدوية جيدة وتهافتوا على خدمته حتى تحسَّنت صحته، ولكن الشيطان كمُن له في ممرضةٍ شابةٍ كانت تخدمه بإخلاص، وهو كان يستلطفها ثم تطورت علاقته بها حتى أخطأ معها فحبلت. وقالت للناس إنّ الشيخ هو سبب ذلك فلم يصدِّقوها، ولكن الشيخ قال في نفسه: ”أنا هو المذنب، وعليَّ أن أرعى طفلها“.
علم الآباء في شيهيت بالخبر المحزن فقدَّموا صلوات حارة من أجله، واستجاب الله لتوسلاتهم، فشعر الشيخ بالندم وقرر العودة في يوم عيدٍ حتى يكون لاعترافه بخطيئته وقعٌ أكبر، وكان الطفل قد فُطِم، فذهب الشيخ إلى ديره ومعه الطفل ودخل الكنيسة في حضرة جميع الرهبان الذين لما رأوه انفجروا في البكاء. ثم قال لهم الشيخ: ”أَترون هذا الطفل؟ إنه ابن عدم الطاعة. احترسوا، إذًا، يا إخوتي لأنني في شيخوختي فعلتُ هذا، وصلُّوا من أجلي لكي يرحم الله نفسي“. ثم وضعوا عليه قانونًا، ورجع إلى قلايته حيث استرجع أسلوب حياته السابقة.
قال أنبا يوحنا تلميذ الأب يعقوب: ”كان أنبا موسى كثيرًا ما يقول في الإسقيط: ’إذا صنع الراهب مشيئة الرب ولكنه سكن مع أهله حيث يرتمي عليهم، فسيُلقى هو أيضًا بعد الموت معهم‘‘.